أجنحة صغيرة.. لهويدا زكريا وعوالم الخيال المدهشة..!! للشاعر / عبده الزراع





 "أجنحة صغيرة" كتاب قصصى للأطفال، صدر للكاتبة هويدا زكريا فى سلسلة كتاب قطر الندى للأطفال التى تصدرها هيئة قصور الثقافة.

يحتوى الكتاب على خمس قصص، على النحو التالى: (مملكة العصافير، خيوط الشمس، رحلة القمر، الانتظار، الكاميرا الشقية)، وقد لاحظت منذ البداية أن عنوان المجموعة، ليس عنوانا لإحدى قصصها، بل اختارته الكاتبة بعناية ودقة تدل على وعيها بعالم الكتابة للأطفال، فجاء عنوانا شاعريا رقيقا يدل على حالة وأجواء هذه المجموعة، وأرادت أن تكون مختلفة عما هو مألوف.

وأرى أن قصص المجموعة تدور فى فلك الفئة العمرية من 6: 8 سنوات وهى ما تسمى بمرحلة الخيال المنطلق.

وكما هو معلوم أن كل مرحلة من عمرية لها مواصفات كتابية خاصة بها، فهذه المرحلة التى توجهت الكاتبة لها تهتم بشكل أساسى على الخيال وتحريك عقل ووجدان الطفل بما يتوائم وخصائصه النفسية والعقلية، علاوة على اختيار لغة بسيطة تتناسب وقاموسهم ومفرداتهم اللغوية.

ومن خلال قراءتى لهذه المجموعة، لمست عدة سمات أساسية تدور حولها جل كتابة هذه المؤلفة.

السمة الأولى:  أنسنة الأشياء:

لم تكن هذه السمة لدى الكاتبة جديدة على عالم الكتابة للأطفال، بل هى موجودة منذ عرف العالم الكتابة للأطفال، فأقدم كتاب قصصى فى العالم "ألف ليلة وليلة" يوجد فيه العديد من القصص تشترك فيها الطيور والحيوانات، وكتاب "كليلة ودمنه" أيضا كلها قصص تدور على لسان الطيور والحيوانات، و"حكايات إيسوب" و"حكايات أمى الأوزة" لشارل بيرو، أول من ألف قصصا للأطفال فى القرن السابع عشر الميلادى.

ولكن هذه السمة أساسية لدى الكاتبة وتنتشر فى جل قصص المجموعة، ففى قصة "مملكة العصافير" حينما استعان الصياد بولده أيمن كى يساعده فى اصطياد العصافير، وقف أيمن حائرا، ولا يريد أن يقتل العصافير، فسمعه وهو يتمنى أن يكون مثل العصافير يكون له جناحان ويطير بحرية، فسمعه الطائر كوكى، وأعجب بحديثه، "فهبط بالقرب منه قائلا: دعنا نصنع لك جناحين من الريش؛ حتى تطير معنا، ويكون لك بيت فوق الأغصان".. ومن ثم تحدث العصفور "كوكى" مع أيمن وكأنه إنسان.

وفى قصة "رحلة القمر"، دار حوار بين رامى بطل القصة، وبين إحدى النجمات، وكأنها إنسان حيث سألها رامى قائلا:

"هل من سبيل لكى أعيش فوق القمر وأرافق أصدقائى؟"

قالت: "استمتع بالرحلة إلى عالم الفضاء. أليس هو الحلم يا رامى؟".

رامى: "تعودت أن أعيش داخل وطنى".

النجمة: "هذا الفضاء هو وطنك الأن".

رامى: وطنى هو مفرداتى.. ابتسامة أبى.. لهفة أمى.. قلمى الصغير الذى يكتب ذكراياتى".

النجمة: "إذن تذكرة العودة من حقك يا رامى".

رامى: "وإلى أن أعود سيظل الوطن فى ذاكرتى ورقا أخضر ونورا يضئ عيونى".

وفى قصة "الكاميرا الشقية"، نجد أن الكاميرا أيضا تحولت إلى إنسان وتحدثت مع صديق بطل القصة قائلة:

"لأنك لا تهتم بالطبيعة إلا بسبب الجائزة فقط.. سأل: "وما المانع فى ذلك؟"

الكاميرا: الأجمل أن تشترك فى المسابقة لتنمى قدراتك، تصقل مواهبك، تستمتع بالانجاز الذى تحققه، أما الجوائز فيجب أن تأتى فى المركز الثانى من تفكيرك".

السمة الثانية: الخيال:

أعتقد أن الكتابة التى تخلو من الخيال تكون كتابة قليلة القيمة، خاصة الكتابة للأطفال، التى من سماتها الأساسية أن تكون محركة للخيال ومحفزة على التفكير وإعمال العقل.

وهويدا زكريا تهتم بعنصر الخيال فى كتابتها عموما للطفل، وهو أكثر ما يقرب كتابتها لروح وعقل الطفل، خاصة وأنها تلجأ إلى لغة بسيطة وسهلة لا تحمل معانى متعددة بل تحمل معنى واحدا..

ففى قصة "مملكة العصافير" حيث رفض الطفل أيمن بطل القصة أن يصطاد العصافير ويقتل البراءة والحرية التى تتمتع بها العصافير، فكافأته العصافير بأن صنعت له جناحان كى ينعم بالحرية والطيران مثلما كان يحلم فى يقظته، هنا استخدمت الكاتبة التناص مع قصة العالم العربى "عباس ابن فرناس" أول من حاول الطيران فى العالم، وكان سببا مباشرا –فيما بعد- فى صناعة الطائرات، وسفين الفضاء، إذ صنع لنفسه جناحان ولصقهما على جنبيه بمادة لاصقة، وصعد فوق قمة جبل واستطاع أن يحلق فى الجو مسافة إلا أن أشعة الشمس أذابت المادة اللاصقة فوقع على الأرض.. لكن الاختلاف هنا أن العصافير هى من صنعت له الجناحان.

وفى قصة "خيوط الشمس" وهى من أجمل قصص المجموعة وأعلاها فنية، وقدرة على استخدام الخيال، نجحت الكاتبة بتمكن أن تنسج لنا خيوط قصتها بعذوبة وروعة.. حيث أراد الطفل "حازم" بطل القصة أن يجمع خيوط الشمس بين أصابعه، تقول القصة:

"رفض "حازم" وركب الحصان الصغير الذى أعده الخفير للأصدقاء، وانطلق به دون أن يسوسه أحد، وفتح كفيه تجاه السماء، فلحق به الخفير وقال: "ماذا تفعل؟ ولماذا تفتح كفيك هكذا؟".. قال حازم: "أجمع خيوط الشمس بين أصابعى وأبتعد بها حتى أستمتع وحدى بالضوء والدفء والعبير".

أعتقد أنه لا أحد يستطيع أن يلم خيوط الشمس ولا يستطيع أن يحجبها ولكنه الخيال فى أجمل وأبهى صوره.

وفى قصة "رحلة القمر" قرأ "رامى" بطل القصة، خبرا فى جريدة أن شركة السياحة "فرعون" أعلنت عن رحلة إلى القمر بالاتفاق مع إحدى سفن الفضاء العالمية، فدار ذهن رامى وراح فى حلم جميل (حلم يقظة) ومحركة بالدرجة الأولى هو الخيال الخصب، تقول القصة:

"وهمس لنفسه برفق قائلا: سوف أملأ عينى بالأبيض الفضى لون الكون الجديد.

ويمكننى أن أحشو جيوبى بالنجوم والشهب البعيدة لحظهتا أستطيع أن أقف، أسير، أطير، أرسم فوق الصفحات أجنحة العصافير، أسعد بالنقاء والأصدقاء، والفضاء البعيد، وأترك الحوائط والحواجز والأسقف التى تقترب من أيدى الصغار، حتى حقيبتى التى أحمل فيها الصخور والأزهار، وحتى أزرار لعبتى التى تتكسر قبل أن يطلع النهار".. ولم يخرجه من هذا الحلم إلا حينما دق جرس الباب.. ودخل الأب يحمل نفس الجريدة.

السمة الثالثة: اللغة:

اتسمت قصص المجموعة بأن لغتها شفيفة ورقيقة وتكاد تصل فى بعض جملها إلى لغة الشعر الخالص، لغة بسيطة ليس بينها لفظة صعبة ولا غريبة.. بل تتسق تماما وأطفال هذه المرحلة.. وقد استوقفتنى بعض الجمل والعبارات لجمالها وما تحمل من معان تضيف إلى الطفل الكثير، ومن هذه الجمل والعبارات:

ففى قصة (مملكة العصافير):

"ووقف أيمن يحدث نفسه، قائلا: كيف أدمر الحرية؟ كيف أقتل هذا الكائن المغرد، الذى يملأ الصباح بالموسيقى الربانية؟.. كدت أتمنى أن أكون طليقا مثله.. بيتى فوق الغصون، ولى جناح يشق فيروز السماء، وصوت مسبح دائما".

وفى قصة (خيوط الشمس):

"قال حازم: "أجمع خيوط الشمسبين أصابعى وأبتعد بها حتى أستمتع وحدى بالضوء والدفء والعبير"

صاح "محب": أين ذهب حازم إذن؟.. لقد قطع خيوط الشمس، وحطم اللون، واختفى العبير".

وفى موضع آخر من القصة يقول محب: "أنت لا تستطيع أن تقطع خيوط الشمس بل استطعت أن تقطع خيوط الود وتركتنا وذهبت بعيدا".

وحينما تساءل حازم: "ما الذى أخفى الضوء والدفء والعبير؟.

أجاب محب: "سحابة أنانية رمادية حجبت ضوء الشمس"!!.

وفى قصة (رحلة القمر):

"أخذ يفتش فى جيوبه عن أمل يعيش به فوق القمر مع الأصدقاء، غاصت يداه فى جيوبه فتدفقت منها النجوم" إنها لغة شاعرية رائعة.

وفى قصة (الانتظار):

"أم أنا فأريد أن أكون طيارا أو بحارا أزور مدائن العطور.. والزهور والأنهار.. أنام فوق صدر الكرة الأرضية، ثم أصحو وأتناول الفطور حول الجداول والأنهار".

السمة الرابعة: القيم الأخلاقية والإنسانية:

تحمل قصص هذه المجموعة الكثير من القيم الأخلاقية والإنسانية، وأعتقد أن كل كتاب الأطفال على مستوى العالم يسعون لبث تلك القيم فى متن قصصهم، وهذا دور من أدوار الكتابة للطفل، بل هو دور جوهرى، وكاتبتنا هويدا زكريا حرصت بوعى على أن تحمل قصصها العديد من هذه السمات التى ترفع من قيمتها الأدبية والفنية.

وللأمانة أقول: أنها لم تأت بهذه القيم بشكل مباشر فج؛ بل وردت فى متن القصص بشكل فنى يدل على خبرة وضروريات الكتابة للأطفال.

فتجد فى قصة (مملكة العصافير) العديد من القيم، مثل: "طاعة الوالدين": "وحزن أيمن فى صمت؛ لأنه فى حيرة من أمره. 

"فهو لا يستطيع أن يرفض أمرا لوالده، ولا يستطيع أن يصطاد العصافير".. وهنا تتبدى قيمة جديدة وهى قيمة "الرحمة"وتقول القصة: "يرفض أن يقتل الحرية المتمثلة فى هذا الكائن الجميل، ولكن والده اضطره للخروج إلى الحديقة".. فتظهر قيمة أخرى وهو الدفاع عن "الحرية" حرية هذا الطائر الذى يتنفل بين الأشجار ويسعدنا بغنائه كل صباح.

وفى فصة : (خيوط الشمس):

دعوة إلى المحبة واتصال الود بين الأصدقاء، لأن الأنانية وهى قيمة سلبية وغير أخلاقية، تعكر الأجواء، وتنثر بذور الكراهية والحقد، مثلما جاءت نهاية هذه القصة تحمل هذه الرسالة:

"تساءل حازم: وما الذى أخفى الضوء والدفء والعبير، أجاب محب: "سحابة أنانية رمادية حجبت ضوء الشمس".

وفى قصة (رحلة إلى القمر):

تنطوى فكرتها الأساسية على ضرورة تحقيق الحلم، طالما وأننا نمتلك مقومات تحقيقه.

وفى قصة (الكاميرا الشقية):

تنطوى أيضا على قيمة ايجابية رائعة، مفادها: "أنه ليس بالضرورة أن تقدم فى المسابقة كى تفوز بها فقط، ولكن لكى تنمى قدراتك، وتثقل مواهبك، وكما تقول القصة:

"الكاميرا: الأجمل أن تشترك فى المسابقة لتنمى قدراتك، تصقل مواهبك، تستمتع بالانجاز الذى تحققه، أما الجوائز تأتى فى المركز الثانى من تفكيرك".

كما تضمن هذه القصص العديد من المعلومات التى أتت عفو الخاطر، فأضافت بعدا جمايا جديدا للقصص، فتجد معلومة عن الجاذبية الأرضية، وأن الشمس لا أحد يستطيع أن يحجبها أو يمنعها من الشروق، وغيرها من المعلومات، علاوة على أن معظم القصص دارت فى بيئة مليئة بالعصافير وزقزقاتها الرائعة، والأشجار الخضراء النضرة، والاحتفاء بعالم الفضاء، والقمر، والنجوم، وغيرها من العوالم الجميلة المليئة بالجما والشاعرية..

إن "هويدا زكريا تقف شامخة بفنيات كتابتها بين كاتبات الأطفال المصريات.. فهى تمتلك موهبة كبيرة تستحق كل اشادة وتقدير.



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قصة قصيرة بعنوان ( إحساسي مات ... مات ) للأديب الدكتور /موسى نجيب موسى

مسئولية طلبة الجامعة نحو البيئة بقلم أ.د/ راندا مصطفي الديب أستاذ تخصص أصول تربية الطفل بكلية التربية جامعة طنطا