دراسة بعنوان ( قراءة لمجموعة الصعود في النهار لشطبي يوسف ميخائيل ) للناقد الدكتور / محمد سمير عبد السلام




تتسم كتابة القاص، والروائي المبدع شطبي ميخائيل بالمزج بين الحلم، والواقع، واحتمالية الحدث القصصي، وتفكيك مركزية الحضور في بنية الشخصية الفنية، واستخدام تقنيات تيار الوعي في المزج بين الأخيلة، والذكريات، ومستوى ما قبل الكلام في العوالم الحلمية، وصورها المقطعة مثلما أشار إليها روبرت همفري في كتابه تيار الوعي في الرواية الحديثة.
وترتكز قصص شطبي ميخائيل أيضا على استبطان الذات من جهة، وتجاوز مركزيتها – في النص القصصي – من جهة أخرى؛ فقد يستنزف السارد بنية الذات الأولى في الأسطوري، أو الكوني؛ وهو ملمح ما بعد حداثي يتجاوز حدود الوعي بالذات ضمن حدودها الخاصة، ويستشرف ما يتجاوز هويتها، وحدودها في التصور، والتفسير، والإدراك.
تبدو مثل هذه التيمات الفنية، والتقنيات الجمالية واضحة في مجموعة شطبي ميخائيل المعنونة ب الصعود في النهار، وقد صدرت عن الهيئة العامة لقصور الثقافة، فرع ثقافة المنيا سنة 2017، وتومئ عتبة العنوان إلى التناص مع كتاب الخروج إلى النهار الذي يحوي رحلة الانبعاث، والحساب في الثقافة المصرية القديمة؛ وسنلاحظ تواتر فكرة الانبعاث، وعلاقتها بالحساب، والألم، والخطيئة، وأخيلة الفردوس في اللاوعي الجمعي في المجموعة، كما تشير بنية العنوان إلى أصالة التداخل بين الثقافات، والأزمنة في المجموعة؛ إذ يمتزج الحدث الاحتمالي المتعلق بوفاة عبده زعبورة – في قصة تمزيق الكفن – بتجدد أخيلة قطع رأس يوحنا المعمدان، وانبعاثها في وعي، ولاوعي الراوي، فضلا عن تأملاته حول الألم، والخطيئة، وعلاقة الموت بالإيروس، والخصوبة.
لقد صارت وفاة عبده زعبورة – في النص – مفتتحا لقراءة وضعه الهامشي، ووفاته الممزوجة بحياته الوحشية الطبيعية، وتداخل الأزمنة بين لحظة الحضور، وحدث قطع رأس يوحنا المعمدان، وأخيلة الانبعاث في الحضارة المصرية القديمة.
إن السارد يؤجل بنية الموت في النص في ثلاثة مستويات دلالية للحدث؛ إذ إن كاتب الصحة يشير إلى تأكيد وفاة زعبورة من واقع الأوراق؛ وكأن الحضور الهامشي للشخصية الفنية يستدعي موتها في وعي كاتب الصحة، ويشير السارد إلى لحظة التحول في صيرورة السرد حين يتلوى زعبورة / الجثة ليتخلص من الكفن؛ وكأنه يريد العودة لواقعه الطبيعي الوحشي، ويومئ السارد إلى الحكايات الأسطورية المتعلقة بمردة الجن، وبيت الغولة في قراءته لكينونة زعبورة؛ وكأنه يعيش في فضاءات واقعية، وأسطورية معا.
ويعيد السارد قراءة الشخصية من داخل مزج الذكريات بأخيلة الوعي، واللاوعي في النص؛ فزعبورة يرفض ارتداء الحذاء، ويغضب، ويعلقه أحد الصغار في فرع شجرة جميز، ويرى مصلوبا، ويصفه الراوي بأنه يشبه قلعة من الخوف البدائي.
وتشير مثل هذه الذكريات إلى الحضور الطبيعي الوحشي للشخصية، وإلى أخيلة التجسد المتعلقة باستنزاف بنية الجسد في حدث الصلب العبثي على الشجرة، وإلى شاعرية السرد التأويلي للشخصية في كتابة شطبي ميخائيل؛ فالسارد يؤول الشخصية من داخل شاعرية اللغة السردية، ويذكرنا بمدلول جامع النص لدى جيرار جينيت.
ويستبطن الراوي حضوره الخاص، وكينونته في الكشف عن أخيلته، وتأويلاته للحضور الظاهراتي لجرس الكنيسة في الوعي، واللاوعي؛ فهو يشير إلى الأبدية، ويبدو متمردا فتيا، وقد شوهد الخادم – ذات مرة – مصلوبا بين ذراعيه.
يكشف السارد – إذا – عن الحضور الجمالي للجرس، وتناقضاته بين إيقاعه الديني الداخلي المتصل بنموذج الخلود، وتمرده، وارتباطه بالصلب، والألم، وأخيلة التجسد، وعلاقتها بنموذج الموت في اللاوعي الجمعي.
وفي النص سخرية ما بعد حداثية من واقع زعبورة الهامشي؛ إذ يرى السارد أن زعبورة يرفض أن يتخلى عن جنته الأولى بما تضم من جرذان، وسحالي، وعقارب؛ فالإحالة إلى الفردوس هنا تقترن بتعارض بنائي داخلي جذري في فضاء الشخصية، وما يحمله من رعب، وتوحش.
وفي النص إشارة إلى التناقض بين غريزتي الموت، والحياة طبقا لتصور فرويد؛ فالسارد يرصد حدثا احتماليا تتصل فيه المرأة التي تبحث عن الخصوبة بزعبورة، وعقاب الأطفال له بعد ذلك؛ وكأن أخيلة الإيروس تمتزج بأخيلة الموت المضاعف المصاحب للشخصية، وواقعها الهامشي في النص.
ويستبطن السارد وعي، ولاوعي الطفل في قصة بيت النار؛ فالأرواح، والأصوات القديمة تتناجى بداخله بين النوم، واليقظة، ويستشرف سحر الفضاءات الكامنة في حكايات الأب الغائب، بينما يمارس خبرة سحرية أخرى مع دجال يبحث عن كنز؛ وكأننا أمام انبعاث لازمني لنموذج الكنز، وأخيلته الأسطورية المستدعاة من التراث الثقافي، وقد اكتسبت فاعلية جديدة في السرد القصصي؛ وقد بدا ذلك في الواقع الافتراضي، والبوابة ذات الحارسين التي تراوحت – في وعي الطفل – مع الظلمة.
يبحث النص – إذا – عن التجريب في بنية الفضاء التي تجمع بين الواقع، والأسطورة، وأخيلة اليقظة من داخل استبطان وعي البطل / الطفل.
ويفكك السارد بنية الموت، ويؤجلها عبر حدث الانبعاث الكوني المحتمل في قصة تجليات جثة؛ إذ يشير – في بداية النص – إلى رمزية كل من الحي / الأقوى، والميت الذي يفتقد الفاعلية، ثم يؤجل بنية الموت عينها في لحظة تحول الميت، ومناجاته الداخلية؛ إذ تحولت أصابعه إلى جذوع شجرة، ورأى بمنظور زهرة، ومارس رقصة كونية في الريح.
ثمة كثافة شعرية سردية تومئ إلى تيمة الانبعاث الكوني المتجاوز لمركزيات الواقع، ولبنية الموت، وتومئ النص أيضا إلى التطوير الجدلي للشخصية التي تحولت من حالة المفعولية إلى التجدد، والانبعاث الكوني الذي يمثل نقيض الحالة السابقة.
ويفكك السارد مركزية حضور الشخصية في قصة انتهاء اللعبة؛ إذ يمتزج الوجود العبثي في بنيتها بحضور تشبيهي هامشي آخر ممزوج بأخيلة الاتهام العبثي، والعدم، والظلمة في الوعي، واللاوعي، وذلك عبر تقنية التبئير الداخلي طبقا لتصور جينيت؛ فالسارد يستبطن عالم الشخصية الداخلي؛ ليكشف عن وعيها بحضورها الخاص، ثم يومئ إلى تأجيل مركزية الحضور في هوامشه، وتشبيهاته، واحتماليته.
ويكشف السارد عن الحضور الجمالي للشخصية عبر منظور العاكس، أو عبر تقنية التبئير الخارجي طبقا لتصور جينيت في قصة متقاطعات؛ فعبر سينمائية الصورة، يكشف السارد عن التحول الجدلي لسيدة الدار من البهجة إلى الصمت، ويمزج بين كثافة السرد، وشاعرية اللقطة.
ويستعيد السارد أخيلة الخطيئة، والأنا الأعلى طبقا لتصور فرويد في ظاهراتية الصوت المتخيل في قصة موقف المساءلة؛ فالصوت الذي يسأل الصياد عن كينونته، وما يحمل في القارب بلا وجه، ويبدو في مسافة بين الداخل، والخارج، كما يبدو متعاليا، ويعيد تمثيل تاريخ الخطيئة، والعقاب بصورة استعارية في النص.
*نوقشت الدراسة ضمن فعاليات مؤتمر نادي القصة بأسيوط سنة 2018

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قصة قصيرة بعنوان ( إحساسي مات ... مات ) للأديب الدكتور /موسى نجيب موسى

مسئولية طلبة الجامعة نحو البيئة بقلم أ.د/ راندا مصطفي الديب أستاذ تخصص أصول تربية الطفل بكلية التربية جامعة طنطا