دراسة بعنوان (ملامح التجربة الشعرية في ديوان ولد مفتون للشاعر أشرف عتريس) الدكتورة/ أسماء عطا




التجربة الشعرية في شعر أشرف عتريس لها ملامح مميزة ، وفريدة، وخاصة  في استلهامه للنزعة الصوفية  لغة وهوية وكيان،  فتكشف عن هوية الذات  الكاتبة  داخل النص التصوفي، والذي  ارتبط بظروف  الواقع  العربي  وهو نوع  من التمرد،  والارتداد  أمام  سلطة القهر الاجتماعي  والسياسي   فالتصوف رمز  للتسامي  الروحي  على  الآلام  والهموم،   "فالعلاقة بين التصوف والشعر تنبثق من سعي  كل  منهما  إلى  تصور عالم  أكثر  كمالا  من عالم  الواقع ، وهو ما نتج عن  الاحساس  بفظاعة  الواقع  وشدة وطأته على  النفس وصبوة الروح  للتماس  مع  الحقيقة،  فسعى الصوفي والشاعر للاندماج في الكون  والاتحاد بإيقاعه  الخفي"()،  واعتناق لغة الرمز يبرز ثقافة الشاعر الواسعة ، وإبداعه  المتميز داخل التجربة الشعرية ، وهذا ما أكسب النص  بعدا دراميا  يثري القصيدة  شكلا ومضمونا . فاستقى الشاعر من التراث الشعبي كثيرا من مواده  وموضوعاته  ، للكشف  عن حقيقة وجوده الذاتي والإنساني، فعاد الشاعر إلى منابع المعرفة الشعبية  للتعبير عن قضايا  ومضامين  معاصرة تجسد تصوره  للعالم ، وحلمه في صنع مستقبل إنساني؛  تنفتح  فيه الرؤيا الشعرية وترتحل لمناطق شعورية ولا شعورية،  وتم ذلك بتحويل  الأنساق الشعرية  إلى رموز ترتبط بالاطار الجماعي لا الفردي، وهذا ما ظهر في ديوان ولد مفتون .
  فشعر أشرف عتريس  يجمع نبرات ثورية، وأخرى عقدية من خلال المعالم الروحية  في تكوين الانسان، فالديوان يحمل نزعة صوفية   (الزهد في الدنيا – الدعوة إلى  الاخرة) ينطلق من الماضى ليخترق الحاضر  برؤية مستقبلية ؛ تنبئ عن شطحات  الصوفية  من خلال  كلماته  التى تدفع القارئ  للاندماج في حضرة الوصف والمديح والعبرة والاعتبار .
 فالشاعر يرسم ملامح التجربة بكل مكوناتها من المقام والبحث والرحلة والزهد والتقشف  ولحظات التجلي والانكشاف،  فيأتي المقام ،  واستيفاء المراسم  لإقامة النفس وإظهار أحوال  العشق ، المحبة ،الغيرة ، القلق ، الوجد ، الدهشة ، الهيمان،  وروحانية الشاعر من خلال  المدح لآل البيت التي تعد  أحد مقامات  الصوفية ، بالإضافة إلى ( السمحة والتمسك  بالأوراد)،  فالشاعر  ليس  صوفيا  بالمعنى المألوف ، ولكنه يكتب  نصا  صوفيا  متميزا باعتماده على استلهام  التراث  الصوفي  في  ثراء  تجربته، وكشفها للقارئ  من  خلال  المعاناة  التي  عاشها  الشاعر  داخل  الواقع  التي  أحالته  إلى  نوع  من  التفرد ، والغربة  في  تناول  تجربته،  فيعتمد  على  التقرير  مرة  والسؤال  مرة  والتعجب  والعتاب  مرات، وأنسنة الأشياء والحوار معها مرات أخرى، فالشاعر  يبرز  ملمحا  مهما  في  الشعر العامي  وهو  الملمح  الصوفي الذي  يؤكد انخراط الشاعر داخل الجماعة  وذوبانه  داخلها  .
فلجأ الشاعر إلى لغة الوجدان الروحي ، والتوحد برموزها ، ليجمع بين التجلي الرؤيوي لانكشاف  المجرد من المحسوس ، ولصوغ المجهول  من المعلوم ، وبين واقع التجربة الحياتية في قسوتها وقهرها ومرارتها ، فالنزعة الصوفية في الشعر العربي المعاصر  ليست حركة اندفاعية سطحية ، أو سلبية ،وإنما هي حركة في قلب الواقع ، وانبثاق من الأعماق ، فإذا كان  مصدر هذه الحركة هو الإنسان  ، فعلاقة الشعر بالتصوف هى علاقة  تأثير وتأثر، فالشعر تأثر بالتصوف من خلال  حالة التمرد على اللغة والواقع  لابتكار حالات وجدانية تكون  أقرب إلى التجلي منها إلى الظهور   بغرض إشباع  الدلالة  بوفرة الإشارة  التي  قادت إلى  اكتشاف  المعنى  الانساني دون التقوقع على الذات، وكانت وسيلته الحلم ، فتنوعت الأنا داخل الديوان ما بين:
الانا الشاعرة الرافضة الصدامية
انا التوحدية الصوفية
الانا الساردة الواصفة
الانا المحصورة  المقهورة
 عتبات النص 
الاهداء
إلى روح أمي.... أبله  الناظرة   
غيابك يعنى الجحيم 
ورجعت وحدي  زي عيل  بيحبي 
يسند  ويعيط ....
لما حد  يلمس  جرحه  ...
وقلبه السليم ..
 الإهداء يمثل عتبة أساسية ، فهو جزء من المتن النصي  يعرض الشاعر من خلاله رحلة الوجد  عبر الاغتراب الذي يعيشه،  وحالة الفقد والمعاناة ،  فيعرض مشهدين في هذا الاهداء؛ مشهد الغياب،  ومشهد الوحدة والاغتراب ؛ ليحدث مفارقة بين حالة وجود الأم وحالة غيابها . فنكون أمام مشهدين عبر بلاغة الالتفات بين الغياب  والحضور غياب الأم وحضور الذات،  والمشهدين صوره  لمشهد واحد، هو الغياب؛ سواء وجدت الذات في الحياة ، فتوجد جسدا وليست روحا ، الروح تسافر عبر رحلة الغربة التي ارتضتها الذات بعد سطوة العالم عليها .
الأنا الواصفة الساردة
 التي تقوم برصد الأحداث بداية من القهر والحصار حتى الحلم والانعتاق.
    مقام سيدنا الولي     
  برزخ شفاعة للنبى وله كرامات 
كام شمس  وليل  والعين  بتغمض  على كتر كلام 
وتفتح  على فيض  الحميد  المجيد 
بسم  الله سميت  ...
وكان  القصد  النية نظرة يا آل البيت  في ليلة  موعودة
تسند قلبك على  طرف  شباك  المصطفى
تشهد باللى هيشفع  ليك  ويرق  لعياطك
فتنعس .....
من بعد  الشقا واللف  والفضفضة  والزمزمه  والهروله
والغمغمة والتمتمة والهمهمة والرجم والفدوه  وصلاة الفجر
حااااااااضر...
يعني لا هي  صدفة ولا عادة ....
دي خصلة واخدها منك  مقدرتش محبهاش
عاشق معشوق 
فيلحم  جرحي  على صوتك 
وأحس  كأنك  متبطن  بشوق  ناعم ونبض  حنين  ....أنهج
الله مالح ممرر  يا ريق البنات ،....
مهدود ومنهك يا  عود الولد ،....
عريان ومحزن يا حلم الجميع ،...
ميت  يا نبض  ودمك  متلج،...
عادم  يا طعم الحليب ،...
مهزوز  يا بو قلب  جامد  ياللي  تعز عليا  تغيب  وتزاحم 
فتسلم  نفسك  للريح 
وتحوم  حوالين  النار  فتبرد  قبل  ما تصفى من  ريحك 
وتمد  قدم  الوصل  فتطوي  البحر  قدامك  ،...
حصير  وفرش  حرير  أخضر  سندسي ...
مغزول  من صوف الزهاد 
معقود  بسر الأولياء والخدام 
والمتحوطين  بالعهد  والمشهد  وتنية الحجاب
 يا الله  ...الله  ..الله
خبيني  من خل  يخون  خدري  ويستحلا  خليلتي
حضرني  من غيبتي ،...
لفنى بالمرحمه  والبركة والوحى والحشد  والبرق  والوضاح 
من  عين  كل  اللي  شاف  روحى 
وها يحلف بنور النبي  مدد 
من عين  كل اللى شاف  روحي
وهيصلى ع النبي مدد 
من عين  كل اللي  شاف  روحي  وهيشهد في مقام  زي  سيدنا الولى
برزخ شفاعة للنبي  ولهه  كرامات 
بلسان  مداح  ....
مدد مدد
مدد
    تمثل  الصورة السردية الوصفية لبنة أساسية في  الديوان، فتقوم  على  رصد أحداث  الذات المغتربة وسرد المشاهد  بطريق  متسلسة تلعب فيها  البنية اللغوية دورا في تفجير الدلالات؛ لتوضيح المشاهد  عبر البنية الزمنية والمكانية، وإبراز جانب  الزمن النفسي و الفيزيقي المتمثل في الليل والشمس  ، والمكان المتمثل في  شباك النبي ، فالسرد يوضح ما حدث للذات في أثناء رحلتها إلى المقام  معتمد ا  على لغة (الهمهمة -الزمزمة -  الفضفضة – الهرولة ...)  فيأتي  استلهام المقام  كدرجة  روحية  معلنة ، وهي ظاهرة أسلوبية تفرد الشاعر بها  ليجسد  مقام ( الحب - التوبة - الزهد  - العشق )غبر تشكيلات شعرية تنبئ عن بعض الكرامات التي وقعت لهذا الولد (الولد المفتون )عبر نبرات ثورية، وآخري عقدية  تسعى إلى  تكوين الإنسان  تكوينا روحيا؛  للاعتماد على المقام باعتباره طريقة من الطرق التي  ينتهجها  المحب  في لحظات  الترقي للوصول إلى حالة العشق التي تريدها الذات ، فالمقام الأول هو  التوبة وهي رحلة المنقطعين، وهذا ما تمثل لدى الشاعر في إعلان  لغة القطيعة عن الواقع الخارجي، واستعداده للدخول في العالم الداخلى،  ومن خلال الثورة والرفض يكون الوصول شاقا للعشق؛  لأن حالة العشق هي حالة الامتزاج الكامل ، بالإضافة إلى المزج بين المتناقضات  التي تبين حالة الذات قبل وجود المقام وبعده (  وأحس  كأنك  متبطن  بشوق  ناعم ونبض  حنين  ....أنهج  - مالح – محدود – مهزوز- ميت يا نبض ...إلخ) فالشوك لا يتميز بالنعومة ، ولكن مزج النعومة بالشوك يبرز الشاعر من خلالها حالة من النعيم التي يشعر بها في هذه الرحلة مهما كلفته،  وما نتج عنها من أثر نفسي وتغير كما في (الله مالح ممرر  يا ريق البنات ،....مهدود ومنهك يا  عود الولد ،....عريان ومحزن يا حلم الجميع ،...ميت  يا نبض  ودمك  متلج،...)  يجسد حالة من الكشف والتجلي .
(مدد... مدد) ليست كلمة يطلقها الشاعر من لسانه، بل تخرج من الدلالة الإيقاعية  التي تعمل على الانسجام؛  لتذهب عبر الدلالة   إلى  مزيد  من  هذا المشهد  واحتياج  طاقة أكبر  في  مواجهة الروح  داخل  الحالة  الجديدة ، فالانتقال من مكانه إلى  أخرى  يجعل الذات في حالة  احتياج  لم  تكتف لمزيد من المعرفة والكشف داخل هذه الرحلة، وما يظهر فيها من اكتشافات لم تأتى مرة واحدة، فالتجربة التي يعيشها  الصوفي  لا تتعامل  مع الحس الظاهر  بصورته  الفعلية  الحقيقة، " ولكن  على  أنها  عارية  من الجمال  الالهي،  ومن ثم فالصوفية دائما يبحثون عن الباطن ، ولا يعولون على المباشرة؛  لأنها  لا تؤدي  إلى معرفة حقيقة، ولا إلى  تعبير شعري  يرضي  حاستهم  ويقوي دعائم  الخيال  ويفسح  المجال لانطلاق  أجنحته  وراء الألفاظ والعبارات الوضعية  إلى معان  أخرى  يتحملها اللفظ  بالتفسير والتأويل،  مما يجعل القارئ  يغوص في داخل الصور،  وما ورائها  لاستكشاف  أمور  ربما  لا تخطر  للشاعر على  بال  من أجل  ذلك  كله  جرت الرمزية  وراء التعبير  مما  لا  يقع  تحت  الحس  واتجهت  وجهة صوفية  وعاش الشاعر وراء  الحسي  ليستمد منه موضوعه"  ( ) ، ثم تأتي
الحضرة ركن هام في طريق الصوفية يتم  فيها أداء أشكال  مختلفة من الذكر كالخطب المديح الانشاد  والدعاء ، وهذا ما اتكأ عليه الشاعر في الكثير من النصوص  باعتبار أن هذه الأوراد تتم وتكتمل داخل الحضرة .
 الصورة الرمزية التي تتمثل في  البحر؛  ليصبح رمزا خاصا بالشاعر، فيشحن المفردات بمعاني جديدة  فقد يكون( البحر) مغامرة جديدة ، أو رمز للتطهير،  وهذا ما يحدث نوعا من التفجيرات النفسية التي تتعدد بتعدد القراءات ، وتتدخل الرؤيا لتكون أداة الشاعر للنفاذ إلى ما وراء قشرة العالم ، وخلق أبعاد إنسانية وفنية  جديدة، وهكذا يظل الشاعر سائرا في اتجاه المستقبل، فالشاعر يقف بين عالمين: لتحويل العناصر الطبيعية بطريقة  شبه سحرية ، وذلك كي يرسم الطريق نحو الذى يظل موقع  الاحتمال، فتتبدل رؤية البحر من ماء وعطاء في الرحلة إلى بسط من أشكال مختلفة( حصير  وفرش  حرير  أخضر  سندسي - مغزول  من صوف الزهاد  -معقود  بسر الأولياء والخدام  ) لينقل القارئ إلى واقع آخر لم يألفه من قبل .
ثم تاتي البنية الأسلوبية  للنص  من خلال  النداء الذي يتكرر عدة مرات داخل النص  كما في  (الله مالح ممرر  يا ريق البنات ،....مهدود ومنهك يا  عود الولد ،....عريان ومحزن يا حلم الجميع ،...ميت  يا نبض  ودمك  متلج،...)، فالشاعر يعطي هذه الأشياء أبعادا جمالية لم تكن موجودة من قبل، وإنما اكتسبت هذا الجمال من خلال حالة التحول  عبر الحلم إلى أشياء تساعد في  نمو الحلم،  وتقرب حالة الخلاص التي  يسعى الشاعر لتحقيقها ،  بالإضافة إلى حالة الانشطار النفسي من خلال  النداء الذي يجسد حوارا بين الذات ونفسها؛ ليجسد حجم المعانة في الوصول إلى ما تريد . 
   الأنا التوحدية الصوفية
وهي التي  تعبر بالشطحات اللغوية والنفسية ، لتصنع نصا مبتكرا  من خلال هذه اللغة الغرائية التي   تبين حالة الذات الشاعرة داخل المشهد وحركاتها ، وأفعالها، وما ينتج عن هذه الافعال، وحالة التوحد التي وصلت إليها  من خلال  امتزاجها بالعالم الآخر .
حوم  الحمام بيرطب جوفي ...
بازحزح البدن عني محتاج  لروحى تنعتق  ساعة تجلي 
قبل ما يسيح الدماغ ...عالعصب
بالسم العتيق!!
 وأنا  بتهيأ للجنة
كنت باخترع  نزيف  للجفاف
 قبل  ما تشف  الكتابة
قبل  ما تخفف  في  لون  الروح 
وابتدي  في الصوم  ...
الصوت يحوم مع  الطيرة اللي  بتتخلق  وجود 
تعود  من غيري  - تتسحب  والوصل  مسموح
معرفش  فرق ...
وشى من وش  الملايكه  والصحاب 
في الضريح  والمقام  العالي  ..
       !!
 الجبة تشرب  م البخور  م الماورد 
تأخد لون  الفراولة من قلب  المجروحين
وهبة ونفحة وندر من  زاد التفاح
وريح  م اللى طالع  في  جوف  "مسعه " يبوس الضى
واللي  راجع  من الوسعة من رحاب  الحي 
مولود بالعشق
مفكوك  "بالورد " يا أول  خيط  للتسبيح  والترتيل 
بلسان  الزاهد  المداح
حي /حي/ قلبك حى /الله حى
يا روح  بتهزي  فيا الجسد  وبتخلقيلى وجود
في جنة العاشقين
ياللى ساكن رحاب النبى نظرة
ده الغزال  بيشرد  في العيون
واللى طالهم  نور الولي  وحوم الحمام  بيطوف  حواليهم  مدد
مدد مدد  بيدفي  برد الجسد
الله ...
من شباك مفتوح 
اللون  في  الروح  في  الحضور  الناعم 
للوصل  الشفيف  والمدد ...
يلحقنى برضو الجسد بنزيف  مجنون  
بيغذي  برضو  البدن
مدد ..مدد

 الصورة الرمزية هنا تعمل على  التفجير الدلالي من خلال الايحاء الذي يعتمد عليه رمز (الحمامفيفضح الجو النفسي الذي يسيطر على الشاعر،  ويلجأ الشاعر إلى الحمام حيت يتعلق الأمر بمحنة  يعانيها ، فهو رمز  للحنين  والحزن والبكاء،  فهو أحسن معبر عن مشاعر المعاناة ، فوراء الواقع  أمورا  ربما  ليس  لها  معادلا  فكريا،  فيقوم  الحدس بدوره  في مساعدة الرمز على مجاوزة صعوبة  المعرفة الكونية، فيتكأ الشاعر على الرمز  لاختراق  ما وراء  الواقع  وصولا إلى عالم الأفكار ، فالرمز تجاوز للواقع  مما يجعل الذات تعيش في حالة من الاغتراب ، فتظهر حالة من الشطح  عندما تصل إلى حالة العشق،  وتتحد بالذات  الالهية ،  فلا نستطيع  تحمل  الموقف،  فيحدث لها وجدا عنيفا  لا تستطيع معه كتمان الأسرار،  فتخرج عبارات  غرائبية  تتجاوز  بها حدود  العقل  والمنطق  والواقع، فتفرغ ما تكتمه في الوجدان، لتظهر المفارقة بين العالم الخارجي والباطني  عبر إبداع فني لتجسيد هذه الصور من التشبيهات التي  تضع علاقات تصويرية بين الأشياء المتنافرة ، والبعيدة؛ لخلق حالة من التخييل للقارئ من خلال هذه التركيبات البلاغية ، بالإضافة إلى أن اللغة تحولت من البنية الصوتية والتوصيلية والبصرية ، ومن ظاهرة متجذرة في  الزمان  وفاعلية زمانية إلى ظاهرة تنخرط في المكان  وفاعلية مكانية  لتعمق حالة الذوبان والتلاشي والفناء الباطني الذي يخرج حالة من الشطح  والقفز في الحضور الباطني كما في (الجبة تشرب  م البخور  م الماورد  - تأخد لون  الفراولة من قلب  المجروحين - وهبة ونفحة وندر من  زاد التفاح -وريح  م الل طالع  في  جوف  "مسعه " يبوس الضى -واللي  راجع  من الوسعة من رحاب  الحي  -مولود بالعشق - مفكوك  "بالورد " يا أول  خيط  للتسبيح  والترتيل ).
علي غفلة بان المشهد 
أوله ...    استفتاح  وريح  وروحا
             وش الدنيا مقلوب 
              وريحة  غضب مكتوم  خلا القلق نز  عن  عين  الطوافين 
              الخالق  الناطق  شبه الليل  القديم  ولون الدم
 والتانية  .... حجاب  وسر  موصول  وسمحة  وباب  مفتوح 
              من  وأنا  صغير  .
             واخد  في وشي  واللي راجع  موت 
             ع الطريق  ...
             عيال  تتلقي العزا  في  أكبر  مليهم  والحزن  مخلوط  بالخبل 
              زي ما تقول  : ناس  هدفها  التعب  ...
              وقفت  تشاور  للفرح المهاجر  بعيد
              يمكن  تعود الروح  وتخلص  م الزهق  ...
              مقدرش أسيبكم  توحشوني  أو  عيني  تبدل  مطرحكم
               بكدب الدنيا  المش مضمون
تالت شرخ ...في آخر  حلقة  بتصعد وتغيب 
                حل طيرك
                 فك  الضيقة وهيأ نفسك للسفر  والطلوع  لآخر  مدى
                زي  ما ندرت  عمرك  للناس 
                صدقة وبشارة وطراوة عود نعناع  وعنبر وزعفران 
  مرشوش
              على  ضل يمام  مستخبي  في دم  غزال  مطلوق  نواحي
 الصوت  - 
              اللي  شق السبع خيام  زرقا  في طرفة عين  بتترجى  المدد
             يا الله
          أنا بعشق هذا الجسد  ...
          فسماح –سماح
             ليا التوحد
            وليك الأبد ...
            مدد مدد..
      الشاعر ينسج  القصيدة  في هدوء  وبصورة حلمية ، إلا أنها  تكشف من داخل هذا الهدوء قسوة الواقع، فتحكي التفاصيل التي ترصد المشهد أمام عين القارئ من خلال  قيام الشاعر هنا بعمل المخرج السينمائي الذي يمنح الأحداث  بعدا حيويا يشد المتلقي معه في كافة الاتجاهات التي تأخذها الأحداث من خلال عرض بداية المشاهد ونهايتها .
  الأنا المحصورة  المقهورة
وهذه الأنا تجسد الواقع الخارجي، وما مثله من انتهاكات في حقها ، ولم تشعر فيه إلا بالاختناق  النفسي والكوني؛ لذا تحاول الفكاك من هذا الواقع ومقاومته  ومحاولة الانتصار عليه  .
ازاي ها تفضل للآخر ؟؟
 يشهد على ربي ....
إن الحلم ده أطول  من عمرك 
والأرض  دي  ما بترحمش الشقايانين 
ما بتعرفش  تفرق  بين  اللي  خطى فوق  الجرح  بالقدم 
واللي  خطى  لجلن  يقرب  ...
وقدرنا  نحوش  كسرة عينك
قبلن ما تيجي فينا  بالقصد ...
روحك  لو تبان  في  حضن  الليل 
كل  الخلق  هتشمت  فيك 
أولهم  قلبى العفى بيكره  نفسه  لما  يخون
حد كان  قالك قبلينا 
ان  توب  الطهر ما يغطيش  غير الوفي 
حتي  الشمس  اللي بتخلص على غفلة وتبرد 
ما بتلحقيش تحضنيها   ولا بتعرفي ...
يا موحدين  قبلى  هذا الوطن
شوفتم قلبى وهو داخل ...
كل السكك ليا  طايبة الخطاوى....
لكنى  متعطل ..
ومش قادر  أتحمل  ..
قلبى يوحد الواحد بنص الشهادة
قبل  ما يجرح  صيامه  بشق  تمره 
وربع  شهقة تشبع العين ..
يا عين اشهدي  ...
مين اللي مادد طوله حد سابع  سما
ومين اللى ها يفضل  باقي  للآخر  ...
متهيألى أنا  ...
ما دمت العاشق الأول  ...
العاشق  ..
الأول  ..
!!      
 تجسد  الصورة الدرامية  في النص  ما ينتاب الذات من آلام ومعانة ، ورسم مشهد المقاومة أمام عين القارئ،  بالإضافة إلى الرموز الزمنية المتمثلة في رمزين متناقضين هما( الليل والشمس ) فـ(الليل) ظلام ماضي واقع خارجي محاصر للذات  (الشمسنور مستقبل  حلم  واقع داخلي  للذات ،  فالشاعر يجسد من خلال هذه الرموز المشاعر المتأججة  داخل الذات الشاعرة ، فالذات الشاعرة في شعر أشرف عتريس تأخذ دور الراوي المحايد الذي  لا يندمج مع هذا أو ذلك، بل يرصد المشهد ، وتقوم الذات في بعض الأحوال بدور الممثل الذي يتقمص شخصية الصوفي  ويؤدي الدور كاملا ، ودور الإنسان  العادي   حتى  تلتحم الفجوة بين العالم الباطني والخارجي، فتنتصر الذات بالحلم،  وتصل إلى ما تريد .
 قلبك طهور عاشق للنبي 
يعشم  في الحقيقة  يحلم  بالولد  ...
ولد  ...ولد  ...
 لما غابت شارة  الحزن منه
حنت عليه  بواقي  الحلم  زي  الطيف  
طب  كيف يا قريبي  هتصدق 
 إن  فرق السن  زي  البراح
  في لحظة يغيب   وياخدنى مسافة  نبعد  بعيد 
نبعد هنااااك  ..
زي الطير العاشق  تحليق 
ما يحطش  ع الأرض  غير  لما  جناحه  يشقق 
ولا  حتى الدنيا  تحس  بفقر  الناس 
الناس  المحتاجه  شوية  غنا  وعيون  تتحقق 
يا نهار  مواعد  جميع  الخلق  قرب  مطرحهم 
تقصد  تحن  وتترحم 
على  باقي  الحنين  والجرح  ...
قبل  ما  يفوت  الوقت    ويضيع  ..
وتبان أمارات الوجع  فتزيد  ...
غصب  عن  عيني  الحزاني  ...
غصب عن عين الجميع

ولد  ... ولد...
لما بانت  عليه  الغنوة 
حسيت  قلبه  بيرقص  والنني كحل عينيه...
طب كيف يا قريبي   هتحدد
عمرك من  عمر  الناس ...
الناس  المشتاقة  حبة  زغاريط 
حتي  لو  كانت  كدابة  ...
زى  ما تكون  مرهون   بيهم 
من غير  ما تخاف  الريح  اللي  جايه  بالقلق 
تسكن  في  فلب  الحزانى  ....
وتعشم  في اللي  خلق  ...
مدد  مدد  مدد  ...
قلبك  طهور  ....
عاشق  والنبى  ...
بعشم  في  الحقيقه  ...
يحلم  بالولد  ...
ولد  ..
ولد ...
مدد  ..
مدد..
  البنية الصوتية تلعب  دورها في وصف حركة الذات المفتونة داخل النص ، فالإيقاع  هنا لا يحقق الانسجام الصوتي فقط، بل يعمق الانسجام الدلالي للموقف من خلال تداعي هذه الأشياء في وجود تلك الحالات أثناء الوصول إلى النشوة والسعادة التي يشعر بها الشاعر في رحلته مع الأقران ، وكأن كل من حوله يشعروا  بهذا الفرح  فيعمم النظرة، وعادة ما يكون في  مراسم  الحضرة والموالد الصوفية

 يعلم  الله  ..
إنى شايف بعيني  البشارة  ... 
الواحد  على  قد  ما عاش 
بيقضى  العمر يفك الخط
ويقرأ الوشم بعينه  زي الغجر
حتى العمر يرجع يستخبى جواه
بعد ما يسرح بين الخلق  .... يلتقيه  بنادي  :
يا بو قلب  طيب  جدا  من  دون  البنى آدمين 
صدقنى  من غير  ما احلف  لك  يمين 
ان  غويط  البحر  بلاط ..
لو خطيت  برجلك  هتعديه  ...
اكمنى  قلبى  شارع  لم  يمانع  تسكنه  كل  البنات
 شرط  الواحده  فيهم  يكون  للشوق  جواها مطرح 
الخجل  يبات  فيه  آخر  الليل  ...
من  غير  عقلك  ما يودي  ولا  يجيب
وتقلبها  في  دماغك  بحسبة تاني 
الليل  ما يقدر يسرق  بواقي  الضى 
مدام  الروح  لسه  بتعافر  ...
مش راضيه  تسيب  الوطن التاني 
حقيقة  ما ينكرهاش  غير  واحد  غيرى 
عينية  كارهاني ..
واحد  غيري  ...
جواني..
  غاية ما يهم الصوفي هو الجمال المطلق  الذي يسعى من خلاله إلى الكشف عن الجوهر  الحقيقي ، فالشاعر هنا يظهر قوة الذات من خلال عملية الكشف  المادي والروحي من خلال رمز العيون  التي  تشير إلى الجمال المطلق  من خلال حركة العيون الغجرية، فالصوفي لا يتعامل مع الحواس  من خلال التأثيرات العيانية ـ بل من خلال  الاستبصار ، فالشاعر يعتمد على  الكاميرا في رصد المشهد  فيقربها مرة ويبعدها مرات وينتقل من هنا إلى هناك مرات أخرى  حسب رؤية المشهد  وتطوره  (ان  غويط  البحر  بلاط .. لو خطيت  برجلك  هتعديه  ... اكمنى  قلبى  شارع  لم  يمانع  تسكنه  كل  البنات...).
 الشاعر يرسم لوحة فنية معتمدا على الرموز الطبيعية ، ليكشف من خلالها التجلي الإلهي  في جمال هذه الطبيعة  ؛ ليظهر من خلالها ملاحقة المضمرات الخفية  بوصفها   جوهرا  لحقيقة ضائعة  يلتمسها من خلال هذه  اللوحة .
 الأنا الرافضة الصدامية
 وهي التي ترفض الواقع  من خلال  صدامها معه  بعد أن عاشت حالة من  القهر والفقد داخله، لذا بدأت تثور وتعرض مطالبها الفردية المتمثلة في مطالبها الجماعية .
جالك كلامي يا وطن
-مفتتح-
بو عزيزي  وخالد  سعيد وناس  كتير  كبد أهاليهم 
أول شهيد  محروق  في الميدان  عبده  عبد المنع  اللي  محدش  يعرفه
 بابلو نيرودا  وناظم  حكمت  وجيفار ا  وماوتس  تونج وميشيل  غفلق
  ويوسف صديق  ونجم اللي  قال  الجدع  جدع والجبان  جبان   
بينا يا جدع ننزل الميدان..
أما أنا  ...
أنا اللى طول عمري  عيني  بتقدر  تميز 
بين  غنوة  صبر  معقودة  تريد  تنحل 
وطرف  عدودة  في  حنك الأرامل 
نفسها  تدوب  زغاريط 
بس النهارده ...
مين اللي  رايح الجنة   ..
ومين اللي  نازل  البحر  ...
يا  هلترى  ..
الدنيا  هتعيش  بعدينا  قد  ايه  ...؟؟
 الليل كان صعبان  عليه  يرحل 
والقمر مش مبطل عياط  ولا نهنهه..
الضنا  غالى  والوطن  بينا بيتعاجب 
بس الليل  خاين  والنهار  شاهد عيان 
حتى  الأرض  يتطرح  دود  فوق  التراب 
يلقي الدم  والخلا  خيمة وسكن  ..
أه  قلب  العيال  ...
يا متحزم  في  الميدان والليل  بياكل  فيك 
لو  تزعق  بالغضب  ...
يجري  الزمن  قدامك  زي  الريح 
ما  يهمكش  صفير  الحنش  الباغى 
أبو  الجلد  خشن  ...
مدام  بتعزم  بالقسم  ...
جالك  كلامى  يا  وطن
      !!
 البحر النهارده  غير  كل يوم  ...
البحر  اخطبوط  والموج  دراعاته  عفيه...
البحر  ..
جوفه غويط  اللي  ينزل  جواه 
ما يطلع غير بشهقه 
مهمن  غالب قوة الغرق 
مهمن  عافر وسط  العشمانين 
ينشف  حواليهم  ... البحر 
شبرين  يا دوب بيني وبين جنة حلمك 
يا وطن  مسكون  بالغريب  ولا تعرف  الواجب 
ماشى  على  راسي  وعنيا  مرغرغة 
على  خلق  بتلف حوالين  روحها 
والكعب  داير ...
تتعب  وتشقي  وبرضو ترجع  من  غير ما تتراضى
أنا  اللي  بقول :الحزن له  مطرح  وناس  تسكن  جواه 
مهمن  يجور  عليها  الزمن  ويخطف  فرحتهم 
عشان  خاطرهم  ...
عنيا تبوس  الشمس  وصابحة  بتغنى ...
عشان  خاطرهم  وخاطر ربنا  من  غير  ما تزعل  منى ...
الدنيا هتعيش بعدينا قد ايه ..؟
انطق يا وطن  ..الدنيا  هتعيش.. قد  ايه بعدينا...  ؟؟
  
الشاعر يصل إلى حالة من الصدام والمواجهة لهذا الواقع بعد فعل التمرد الذي قام به على مدار الديوان ككل ،  فتحين لحظة الخلاص  الثورة مستعينا   بالرموز العالمية والمحلية؛ ليعبر من خلالها عن   حالات شعورية مختلفة  يجسد فيها رؤاه، وبذلك يكون الرمز لمحة من  لمحات  الوجود الحقيقي 
، لذا اهتم الشاعر بذكر هؤلاء الرموز (رموز الثورة و البطولات  )تخليد لذكرى الامجاد مشيدا بما قدمه هؤلاء من اقدام وبسالة  في  مواجهة العدو.
 تستمر البنية الأسلوبية لدي أشرف عتريس  في التنامي من  خلال  حركة الأنا   التي تتكرر كضمير  متكلم   يعطي النص  حركة القيام  بالأفعال؛  ليفرض على النص  الرؤية الذاتية  الكثيفة للعالم كما في (أنا اللى طول عمري  عيني  بتقدر  تميز  ) .
فالألفاظ في النص تتحرك  بحركة النفس الشعرية  المتقدة  التى جعلت الشاعر يصطنع  لنفسه  لغة خاصة تصور معاناته كما في ( العياط –خاين –دود – متحزم- تزعق - شهقه –عافر ...إلخ ). هذا النص يجسد  ملامح  الاسي والألم من خلال التعبيرات  التي تجسد حالة الصراع  القائم من خلال (يجري الزمن قدامك زي الريح  - البحر اخطبوط والموج  دراعاته عفية ..)
فالشاعر يتخذ من رمز ( البحر والليل والموج والريح ) معادلا موضوعيا للعالم الخارجي ( للظلم  للقوة الغاشمة التي  تسلب الذات إرادتها )، فيصورها الشاعر في بناء فني  متميز من خلال  المفارقة بين المشاهد ، وهو ما يعطي النص حيوية واستمرار، ويدمج المتلقي معه داخل حالة الصراع المشهدي في  النص ، بالإضافة إلى الإيقاع الذي يقوي الانسجام داخل النص من خلال التكرار في (يا هلترى   والدنيا هتعيش قد إيه )  والثراء الدلالي الذي يحققه التكرار من خلال هذه الأسئلة التي  تظهر قلق الذات وتوترها داخل هذا العالم ، فالتحام الذات بالواقع  جعلها  تدرك أنه  عالما مأساويا يحكمه الموت  ، ومن ثم يتسم  بالعبثية واللاجدوي .  لأنه عالم عار ، ناتج من  الجوع ح القهر  - الظلم ،وعالم كلمات  لأنه  وليد  موت فلا يجد الشاعر مفر من  التنصل منه ومقاومته .

تعليقات

  1. كل الشكر والتقدير لكم عن نشر دراسة الدكتورة اسماء وديوانى الذى افخر به حقا ( ولد مفتون)
    ومن بل نشرتم ى قصيد ايضا وأسعدنى ذلك بالفعل - تحياتى ومحبتى للدكتور موسى صديقى المخلص جدا لى وكل ابداع يحظى بذائقته
    خالص محبتى - اشرف عتريس

    ردحذف
    الردود
    1. سعدنا وشرفنا بهذه الدراسة القيمة والتى اظهرت لنا مواطن جمال تلك الكتابة الآسرة ... دمت موفقا مبدعنا الراقى أشرف عتريس الشاعر الجميل

      حذف

إرسال تعليق

أهلا ومرحبا بكم زائرنا الكريم نتمنى ان يكون محتوى المجلة قد نال إعجابك نشكرك ونتمنى زيارتنا مرة أخرى
الأديب الدكتور
موسى نجيب موسى

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قصة قصيرة بعنوان ( إحساسي مات ... مات ) للأديب الدكتور /موسى نجيب موسى

مسئولية طلبة الجامعة نحو البيئة بقلم أ.د/ راندا مصطفي الديب أستاذ تخصص أصول تربية الطفل بكلية التربية جامعة طنطا